السقنية
ذكر ابن خلدون أنّ رياح لمّا اعتزت على الأمراء والدول، وتغلبوا على جبل أوراس والحضنة والزاب ووارقلة وقصور ريغ، تلافت الدولة الحفصية أمرهم بالاصطناع والاستمالة وأقطعوهم ما غلبوا عليه من البلاد بجبل أوراس والزاب، ثم الأمصار التي بالبسيط الغربي من جبل أوراس المسمى عندهم بالحضنة وهي نقاوس ومقرة والمسيلة. واختص أولاد سباع بأقطاع المسيلة وجبال عياض ومتنان ووانوغة ونواحي بجاية من التلول، وطولقة والزاب الغربي من ناحية القبلة. واختص أولاد محمد بأقطاع مقرة ونواحي قسنطينة من ناحية التل، والزاب الأوسط وقاعدته بسكرة من ناحية القبلة. واختص أولاد عساكر بأقطاع نقاوس. وكان وادي ريغ ووارقلة وما يليها من القفر لبادية رياح سعيد ومسلم والأخضر.
وكان يعقوب بن علي أعظم أمراء رياح كما ذكرنا، وكان له ولوع بالفلاحة والعمران، فاختط وإخوته الكثير من القلاع والحصون والقصور في التل والزاب والصحراء.
وفي بداية العهد العثماني، تقلد أمير الذواودة ورياح علي أبو عكاز بن عيسى بن محمد بن عيسى بن محمد بن يعقوب مشيخة العرب سنة 1541م. ولمّا توفي سنة 1581م دفن في مقبرة سيدي المسعود بمدينة العلمة. وخلفه في نفس السنة ابنه أحمد، فبلغت سلطة الذواودة أوجها في عهده، وبسطوا سيطرتهم على كل محافظة قسنطينة تلا وصحراء.
ولمّا قامت الحركة الشابية، زاحموهم بمنكب، ونازعوهم تلك المواطن، فتحاربوا ثم اتفقوا على أن يكون للشابية من واد بومرزوق إلى الشرق. وللذواودة منه إلى الغرب، أي من قسنطينة إلى سطيف.
وفي سنة 1637م غدر مراد باي بشيخ العرب محمد بن الصخري بن أبي عكاز العلوي، فحبسه بعدما وفد عليه، ثم قتله مع ابنه أحمد وستة من أعيانهم. فاندلعت ثورة الصخارة في السنة الموالية بقيادة أخيه أحمد وكافة رياح وأحلافهم من الحنانشة، وأوقعوا بالأتراك في معركة قجال قرب مدينة سطيف، وقتلوا منهم ألف جندي، وفرّ مراد باي ناجياً بنفسه إلى عنابة، ومنها ركب البحر إلى الجزائر. وفي السنة الموالية 1639 أرسل ديوان الجزائر جيشا للثأر من هزيمة سطيف، فكانت فاجعتهم أكبر، وحوصروا ومنعت عنهم المؤونة، حتى أشرفوا على الهلاك، وأرغموا على توقيع السلم وهم صاغرون.
ولمّا عجزوا عن إخضاعهم بالقوة، رجعوا لاستئلافهم، وتقرّبوا إليهم بالمصاهرة. وكان لرجب باي بنتا حسناء اسمها أم هاني من جارية إسبانية، فزوّجها للقيدوم ابن أخ شيخ العرب أحمد الصخري، فأنجبت له أربعة أولاد. ولمّا توفي القيدوم، تزوجها أحمد الصخري وكفل أبناء أخيه، ثم تآمرت على قتله، وفرّقت جماعة الذواودة وأحلافهم. فكان مع أم هاني كل من أهل بن علي وأولاد سالم والشرفة وغمرة. ومع فرحات بن أحمد الصخري كل من السلمية والبوازيد ورحمان وأولاد زكري وكل قبائل البدو بالزاب الغربي.
ثم أوقع فرحات بن أحمد الصخري بأولاد أم هاني وأحلافها، وانفرد بزعامة القبائل العربية، وأعاد بسط سلطة الذواودة، وتوفي سنة 1736 فخلفه ابنه علي بوعكاز، فأرسل إليه الأتراك قفطان التولية، وتقرّبوا إليه بالهديا والمصاهرة، فزوّج أحمد القلي باي قسنطينة أخت زوجته مباركة بنت بن قانة بفرحات ابن أخ شيخ العرب علي بو عكاز.
وأوجد أهل بن علي السبيل لشيخ العرب على أنفسهم منذ أحداث أم هاني التي ذكرناها، فتحيّن لهم الفرصة للإيقاع بهم، فاستلحمهم وأثخن فيهم. وكان ذلك سبب انتقالهم إلى التل وتواجدهم في قبيلة السقنية موضع حديثنا.
ثم عاد الأتراك إلى عادتهم القديمة للتفرقة بين العرب وإغراء بعضهم ببعض، فاصطنع باي قسنطينة بن قانة للمنافسة وأغدق عليه. ثم كلّفه بالذهاب إلى البقاع المقدّسة على رأس الحجيج، فصحبه في تلك الرحلة الكثير من أهل بن علي وقبائل الصحراء، فأغدق عليهم وكسب ودّهم، وعند عودتهم طلبوا من الباي توليته عليهم، فنشب من حينها ذلك الصراع حول مشيخة العرب، بين أهلها التاريخيين والشرعيين، وصنيعة الأتراك بن قانة، وانقسمت عليهما قبائل العرب. واصطنع الأتراك السحاري كمخزن لفرض سيطرتهم وصنيعتهم، وهذا سبب تواجد الكثير من فرق السحاري في قبيلة السقنية.
ومن عند السقنية في 31 جانفي 1725م، ومن معسكر الباي حسين الذي زاره، كتب باسونال: "الشيوخ والشعوب العربية في هذه البلاد يختلفون عن نظرائهم بمملكة تونس. شعوبهم كثيرة العدد، ومن شيوخهم من يستطيع تجنيد أربعة أو خمسة آلاف فارس وعدد أكبر من الرجالة. كبوعزيز شيخ الحنانشة، وحاجي إبراهيم شيخ قرفة، وعلي بن علي شيخ أولاد فرحات، وعمر بن سلطان شيخ (Tises ؟) كان هؤلاء الشيوخ تقريبا كلهم متحالفين بينهم، ويقولون أنهم مستقلين، ومن عائلات نبيلة وقديمة جدا، ويتلقون القفطان من داي الجزائر"
تقول الرواية المحلية أن أول من استقر بالمنطقة هو الشريف الإدريسي سي محمد بن خلوف الذي قدم من المغرب في القرن 15م، ونصب خيمته قرب جامع العباسي. وأنجب ولدا سماه سقني، والذي أصبح فيما بعد شيخ البلد وأعطى اسمه للقبيلة. ولندع هذه المزاعم إلى ما هو أهم، أي أصول الفرق والفصائل التي شكّلت قبيلة السقنية.
قامت سلطات الاحتلال بتحديد مساحة قبيلة السقنية بـ 111258 هكتار. وقسّمتها بموجب مرسوم 11 جويلية 1870 إلى ثمانية دواوير، وهي: أولاد صخر، أولاد خالد، أولاد جحيش، أولاد قاسم، أولاد مساعد، أولاد عاشور، أولاد سباع، أولاد سي وناس.
وفي سنة 1909 كانت هذه الدواوير تتشكل من الفرق والفصائل التالية:
دوار أولاد سباع من الذواودة الذين كانت لهم أقطاع نقاوس التي ذكرناها، ويضم: أولاد بوعزيز، وأولاد نصر، وأولاد عمّار، وأولاد علي، وأولاد بولخاد، أولاد عمر بن عثمان، وكلهم من أولاد عمر بن سباع بنقاوس. بالإضافة إلى العلمة من العلمة من رياح.
دوار أولاد مساعد من أولاد نابت من كرفة: ويضم أولاد وشان، وأولاد شُهرة، وأولاد عبد الله، وأولاد بن علي، وأولاد عثمان، وأولاد منّاع، وأولاد امْجَلّب، وأولاد بوعَلي، وكلهم من أهل بن علي ببسكرة. بلإضافة إلى أولاد علي من أولاد دراج بالمسيلة، وأولاد غُمريان من غمريان من ميلة.
دوار أولاد عاشور: ويضم أولاد بلطي من أهل بن علي ببسكرة، وأولاد شيخ العلمي من أولاد دراج بالمسيلة.
دوار أولاد سي ونّيس: ويضم أولاد محبوب من الذواودة، وأولاد عباس من أولاد ماضي بالمسيلة.
دوار أولاد جحيش: ويضم أولاد علي، غضابنة، أولاد سعدي، أولاد حمودة، أولاد ضيف الله، شراقة، أولاد عمور، دغارشة، أولاد سعد، أولاد بلقاسم، أولاد جباري، أولاد رزقي، أولاد مبارك، أولاد عُلمي، أولاد عبد الحمين، وكلهم من السحاري. بالإضافة إلى أولاد العلمي من مراونة أولاد دراج، وبرارشية من خنقة سيدي ناجي، ودهايشية من مجانة، وأولاد مومن وأولاد سلامة من "الساقية الحمراء".
دوار أولاد صخر: ويضم: براكنة، أولاد بوقَرّة، شيابنة، أولاد عربية.
دوار أولاد خالد: ويضم أولاد سعيد و بير توجة من أولاد دراج بالمسيلة، والعُلْمة من العلمة بسطيف. وبن زكري نصفهم من أولاد دراج بالمسيلة، والنصف الآخر من سمندو.
دوار أولاد قاسم: ويضم أولاد عيشة من أولاد صولة بالحضنة، وأولاد بخة من أولاد قاسم بسطيف، والعجاردية ومنهم أولاد بوسعدة من أولاد نايل ببوسعادة.
