الآثار الحضارية للإستقرار الهلالي بمنطقة الأوراس
كان للإستقرار الهلالي بمنطقة الأوراس أثرا بالغا في رسم واقعها العرقي والإجتماعي والسياسي والعقلي والحضاري، بتغييرهم لواقع تلك المناطق التي انتشروا في ربوعها، وعربوا من جاورهم من بقايا البربر لسانيا واجتماعيا.
لقد تغلَّب الهلاليون على منطقة الأوراس وكثروا ساكنها فأذعنت لهم بقايا البربر من زناتة وهوارة وغيرهم. وفي ذلك يقول ابن خلدون عن زناتة : "وبجبل أوراس بقايا منهم سكنوا مع العرب الهلاليين لهذا العهد، وأذعنوا لحكمهم" (العبر، ج7، ص.79)
وكما هو شأن المغلوب في الاقتداء بغالبه، فقد أخذت فلول وبقايا البربر في منطقة الأوراس بمذهب العرب وشعارهم وشارتهم في اللغة واللبوس والزي وركوب الخيل وممارسة الحروب ونضم الشعر والغناء والرقص وسائر العوائد.
قال ابن خلدون عن البقية الباقية من هوارة بجبل أوراس والذين أسماهم بـ "فُلّ" :
"وبقي منهم فلّ بجبل أوراس وما بعده من بلاد أفريقية وبسائطها إلى أبّة ومرماجنة وسبيبة وتبرسق. ولما انقرض ملك صنهاجة بالموحدين وتغلب الأعراب من هلال وسليم على سائر النواحي بأفريقية، وكثّروا ساكنها، وتغلّبوا عليهم أخذ هذا الفلّ بمذهب العرب وشعارهم وشارتهم في اللبوس والزي والظعون وسائر العوائد. وهجروا لغتهم العجمية إلى لغتهم، ثم نسوها كأن لم تكن لهم، شأن المغلوب في الاقتداء بغالبه". (العبر، ج7، ص.383)
وقال الشيخ العلاّمة مبارك بن محمد الهلالي الميلي : "فكان نفوذ الهلاليين في البربر اجتماعيا لغويا جنسيا، كما كان نفوذ الفاتحين دينيا سياسيا. ويمتاز نفوذ العرب في غيرهم من الأمم بأنه غير ناشئ عن دعاية سياسية وأنه خالد خلود الراسيات لا يذهب بذهاب سلطانهم ولا توهن من قوته الدسائس الأجنبية. بل لا يكترث بها إلا اكتراث القائل:
يا ناطح الجبل العــالي ليــوهنه <3 أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل "
تاريخ الجزائر في القديم والحديث – ج2 - ص.187